بسم الله الرحمن الرحيم
مقال رائع لايقل روعة عن كاتبة الدكتور طارق على فدعق .. الكاتب في صحيفة عكاظ .
الذي لا امل قراءة مقالاتة ..
تاريخ نشر المقال 15-5-2008
شغلتنا الحياة فاصبحنا لا نتأمل أروع النعم بالرغم أنها بداخلنا وأمامنا يوميا ...ومما لا شك فيه أن الكربون ضمن تلك الروائع التي لا نعطيها حقها من الاهتمام والتقدير...قد نفكر فيه عادة بشكله الخشن، أو لونه الأسود، أو ربما نفكر في الكربون العالق في الهواء...فى "الهباب" ولا مؤاخذه بين حين وآخر... ولكنه في الواقع بداخلنا فمن المستحيلات أن يخلو سنتيمت مربع واحد من أجسامنا من هذه النعمة العجيبة بشكل أو آخر ...ومعظم الكربون ليس خشنا، ولا أسود اللون،
ففضلا أنظر إلى روعة خصائص الألماس وكيف يداعب ويتلاعب بالضوء علما بأنه كربون خالص النقاوة...ومن جانب آخر أنظر في سن قلمك الرصاص الذي يخلو تماما من الرصاص ويعتمد على الكربون إلى حد كبير ليطبع بصمة أفكارك وشعورك على الورق...وتأمل فى كمية الكربون في الشاهي والسكر والقهوة والخبز والحليب واللبنية واللدو واللحم وملايين المنتجات التي نستعملها يوميا...ولهواة الكيمياء ففى الجدول الذري للعناصر ستجدون مجموعة مواد بأكملها اسمها "مجموعة الكربون" وتشمل السليكون والصفيح والرصاص والجيرمانيوم ...وكلها مهمة ولكنها لا تضاهي الكربون في أهميتها...وذلك لأن ذراته "اجتماعية"، وتحب الإتحاد، وتسمح، بل وترحب بأن "تتشعبط" عليها مجموعات كبيرة من ذرات المواد الأخرى بطرق عجيبة...وهذه "الشعبطة" والإتحاد والجذب متنوعة لدرجة أن هناك فرعا بأكمله من فروع علم الكيمياء مبنيا على مادة الكربون وهو الكيمياء العضوية...
وهناك أيضا الكيمياء الحيوية التي تهتم بجميع التفاعلات الكيميائية بداخلنا ومعظمها تعتمد على هذا العنصر العجيب... وهناك فروع جديدة بأسماء غريبة مثل كيمياء "الفولرين" على وزن "مفحطين" وهذه مبنية على خصائص "كور" جزيئات الكربون، وكأنها كرات قدم متناهية الصغر...ويقدر عدد المواد العضوية المحتوية على الكربون المصنعة في العالم بأكثر من عدد سكان وطننا...وتضم هذه القائمة ذات الثلاثة وعشرين مليون مركب بعض من أغرب الأسماء المركبة في أية لغة...وأطول كلمة في العالم حاليا مكونة من 819189 حرف... بدايتها "ميثوىنيلثريونيلثريونيلاي ولوسين"... وهي عبارة عن مادة كربونية بروتينية تستخدم بداخل أجسامنا في شد العضلات ولحسن الحظ أن لها اسما قصيرا وظريفا وهو "تتن" ولا علاقة له بالتتن الذي يدخنه البعض... وسبحان الله أن الكربون يبقى في حياتنا فيلف ويدور في الطبيعة...نأكل، ونشرب، ونتنفس ذراته، ونخرجها في كل نفس نستنشقه... وبطرق أخرى ليتعلق في أماكن أخرى في التربة والنباتات والهواء...ليعود إلينا مرة ثانية... ثم تتكرر الدورة... دورة الكربون...وكل منا يشارك فيها بكمية تعتمد على كمية ونوعية استهلاكنا للموارد...
والمشكلة أن البشرية وصلت إلى مستوى استهلاك مهدد للبيئة ...كمن يدخن المعسل بداخل الطائرة.... وفي المملكة يفوق الإنتاج الفردي السنوي لثاني أكسيد الكربون ما يعادل وزن حوالي ست سيارات لاندكروزر... درزن ألف كيلوجرام لكل فرد سنويا...ونحن في مقدمة دول العالم المنتجة لهذا الغاز الكربوني...ضعف إنتاج الفرد في فرنسا وهولندا..
أمنيـــة :
أشعر بالحزن كلما مررت أمام محطة التحلية في شمال جدة وهي تنفث المواد المكربنة إلى سماء مدينتنا علما بأن نسبة الإصابة بالربو بين مواطنينا تصل إلى أكثر من عشرة بالمئة من إجمالي عدد السكان...ونحن لا نفكر فيما نحرق من وقود على المستوى الفردي، ولا الأسري، ولا الاجتماعي نظرا لأن سعر الطاقة في بلدنا منخفض جدا، ولكن تكلفته البيئية الحقيقية مرتفعة جدا فهو يضيف إلى أعباء التلوث لمدينتنا بشكل غير مقبول...ولكن لكل منا دورا هاما في تقليص كمية ثاني أكسيد الكربون التي ننفثها سنويا في أجوائنا...
بدأت أشعر أن هذا المقال أصبح "مكربنا" زيادة عن اللزوم فسأتوقف هنا وإليكم الأمنية...أتمنى أن نحرص على تقنين مخرجات الكربون في مدينتنا... في استخدامنا للطاقة بشكل عام بداخل منازلنا، ومكاتبنا، وفصولنا وعلى شوارعنا، وفى استخدامنا للمياه (لأنها تنتج باستخدام الوقود المحتوي على الكربون)، وفى الترشيد بشكل عام لأن الله لا يحب المسرفين
والله من وراء القصد.
مع كل الود
كربون
النمط المتتابع
