بحث متقدم | التسجيل
الويب العربي
  تسجيل دخول
 
   
   

  ملاحظة
الموقع متاح للإطلاع والقراءة فقط، المشاركة والمواضيع الجديدة غير متاحة حالياً لحين تطوير الموقع.




الموقع متاح للإطلاع والقراءة فقط، المشاركة والمواضيع الجديدة غير متاحة حالياً لحين تطوير الموقع.

عـودة للخلف   الويب العربي الأقسام العامة المنتدى العام

المنتدى العام حوارات ، لقاءات ، نقاشات ، مقالات متنوعة

موضوع مغلق اضف موضوع جديد
 
خيارات الموضوع طريقة العرض
  #1  
قديم 10-01-2010, 02:50 AM
الصورة الشخصية لـ المحررة
المحررة المحررة غير متصل
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
مشاركة: 516
مستوى تقييم العضوية: 17
المحررة is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر MSN إلى المحررة
وسام الويب البرونزي 
عدد الأوسمة: 1 (المزيد ...)
الافتراضي الافتقار إلى الله

الافتقار إلى الله

فضيلة الشيخ / ناصر بن مسفر الزهراني
قد يعطي الإنسان أموالاً، وقد يمنح عقاراً، وقد يرزق عيالاً، وقد يوهب جاهاً، وقد ينال منصباُ عظيماً، أو مركزاً كريماً، أو زعامة عريضة، أو رياسة مكينة، قد يحف به الخدم، ويحيط به الجند، وتحرسه الجيوش، وترضخ له الناس، وتذل له الرؤوس، وتدين له الشعوب، ولكنه مع ذلك كله فقير إلى الله، محتاج إلى مولاه، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ ... [فاطر:15].
إن لذة الحياة، ومتعة الدنيا، وحلاوة العمر، وجمال العيش، وروعة الأنس، وراحة النفس هي في شعور الإنسان بفقره إلى الديان، ومتى غرس في القلب هذا الشعور، ونقش في الفؤاد هذا المبدأ فهو بداية الغنى، وانطلاقة الرضى، وإطلالة الهناء، وإشراقة الصفاء، وحضور السرور، وموسم الحبور.
حقيقة غنى المرء في الحياة أن يعيش فقيراً إلى الله، وهذه هي حقيقة العبودية وخلاصة التقوى، فالمرء في صلاته في ركوعه في سجوده في دعائه في كل عباداته يعلن الخضوع لله والاستسلام له والتذلل بين يديه والافتقار إليه.
إن العبادة بجميع مظاهرها وشتى أحوالها وكامل أفعالها وأقوالها مظهر صادق للافتقار، بل هي المظهر الأسمى والأسلوب الأرقى، انظر إلى الصلاة إلى ألفاظها، إلى أدعيتها، خشوع وخضوع، وبكاء ودموع، تذلل وانطراح، انظر إلى الركوع الذي هو انحناء لعظمة الغني، وتمهيد لافتقار أكبر، وانطراح أعظم، وهو السجود، وهل يُعلن الفقر إلا في السجود حيث يهوي الرأس على الثرى؟! ويُمرغ الجبين في الأرض، ويغرس الأنف في التراب، افتقاراً لرحمة الوهاب؟!.
انظر إلى الصوم، حيث يُمنع الأكل، ويُحظر الشراب، ويُجوّع البطن ويُحيي الليل، ويُشد المئزر، ويُوقَظ الأهل، وتُصَفّ الأقدام، وتسكب العبرات، وتُرفع الدعوات معلنة فقرها إلى جود المنان وعطاء الرحمن.
انظر إلى الزكاة، حيث يبذل الغني ماله، وينفق دراهمه، ويرسم الغني لوحة للفقر إلى الله، وصورة للفاقة إلى مولاه.
انظر إلى الحج فهو من أروع مناظر الافتقار، وأصدق مظاهر الحاجة، يتخلى الغني عن ثياب الغنى، ويخلع المرء عمامته، ويتجرد من ملابسه، ويقبل في رداء وإزار، كأنه لا يملك شيئاً، ولا يجد مالاً، وينزل من قصوره ويتخلى عن دوره، فيأتي حاسر الرأس، شاحب اللون، خاشع القلب، واجف الفؤاد، يعلن فقره لرب العباد مردداً أعذب كلمات الفاقة، وأصدق عبارات الحاجة، أروع لحون الفقر، معلناً أن الملك لله، والعبودية لله، والحمد لله، والنعمة لله، الغنى لله (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، لبيك إن الحمد والنعمة لك، والملك لا شريك لك).
إن من لم يُشْرِب قلبه حقيقة الفقر، ويُشعر نفسه بشدة الحاجة وعظيم الفاقة للواحد الأحد الفرد الصمد الغني الكريم العلي العظيم، فلن يعرف للعبودية طعماً، ولن يجد للسعادة رسماً، وهو عن البصيرة أعمى.
تبرأت من حولي وطـولي وقوتـي وإني إلى مولاي في غاية الفقر
غِنى المرء بالرحمن أغنى من الغني به يُكتسى ثوب المهابة والقدر
له الفضل كل الفضل أسْلمتُ مهجتي إليه فمالي حين أنساه من عذر
إن الفقر أن يكون المرء بأحاسيسه ومشاعره ووجدانه مفتقراً إلى الله تعالى، ولا يعني ذلك أن يعيش المرء فقيراً من أمر الدنيا فيترك السعي فيها ويرفض اكتساب الرزق وجمع المال وعمارة الحياة، ويظن أن ذلك هو الافتقار الحقيقي، فقد يكون المرء من أكثر الناس مالاً وأوفرهم عيالاً وأعظمهم ثروة، ومع ذلك هو شديد الافتقار إلى العزيز الجبار.
لقد كان الأنبياء في ذروة الفقر إلى الله تعالى مع غناهم وملكهم وعزهم كإبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ مكرم الضيفان الذي كانت له الأموال والمواشي، وسليمان وداود ـ عليهما السلام ـ وما آتاهما الله من الملك، ونبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي امتن عليه ربه بقوله: ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى﴾ ... [الضحى:8] فقد أغنى قلبه بالله وأغناه بالمال، ولكنه كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر؛ لأنه كان غنياً بالله فقيراً إلى رضاه، فهؤلاء العظماء كانوا أغنياء في فقرهم فقراء في غناهم، فالفقر الحقيقي هو دوام الافتقار إلى الباري في كل شيء، وأن يشهد الإنسان في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة وفقراً ملحاً إلى الله تعالى وإلى لطفه وكرمه وعنايته وحفظه وتيسيره وتدبيره، وإن هذا الفقر إلى الله تعالى هو حقيقة الغنى وأصل العزة في الدنيا والآخرة، ولا يزداد به المرء إلا رفعة، ولا ينال به إلا عزا، ولا يجني منه إلا فضلاً، فهل يكون فقيراً من كان الله معه والله ناصره والله معينه والله حافظه، امتلأت نفسه بجلال الله، واستغنى قلبه بذكر الله، وغردت جوارحه بمنن الله، إن استعان فبالله، وإن اتكل فعلى الله، وإن التجأ فإلى الله، استغنى الناس بالمال واستغنى بالعزيز المتعال، وفرحوا بالحطام وفرح بأنس العزيز العلام.
وإن المرء مهما أوتي في الحياة من مال أو رفعة أو منصب فهو فقير إلى ربه، محتاج إلى كرمه، وكل ما أوتيه ما هو إلا ذرة من كرم الكريم ومن عطاء الغني: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ ... [فاطر:15]. وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء﴾ ... [محمد:38]، وقال تعالى: ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ ... [النحل:18].
لقد تجرأ اليهود كعادتهم في قلة الحياء، وسوء الأدب، وشناعة الأعمال، ووقاحة الأقوال، فقالوا: إن الله فقير ونحن أغنياء، قالوها ومضوا لشأنهم غير مبالين بفظاعتها، ولا مهتمين لشناعتها، ولا مكترثين لهولها، ولكنها مرصودة لهم، مسجلة عليهم، مسطورةٌ في سجل قبائحهم. ﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ ... [آل عمران:181]، ولم يحفل القرآن بالرد على هذه المقولة أو استعراض الأدلة في دحضها وإبداء زيفها وكشف عوارها، فهي أقل من ذلك.
وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل
بل جاء بعدها الحديث عن عددٍ من مساوئ اليهود، وبعضٍ من قبائحهم، وطرفٍ من نقائصهم وخياناتهم.
ثم في ختام الحديث عن ذلك جاءت إشارة عابرة، وآية موجزة فيها الرد كل الرد، والجواب أحسن الجواب فقال تعالى: ﴿وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ... [آل عمران:189]، فمن يملك السماوات والأرض وما فيهن ومن فيهن وهو على كل شيء قدير، هل يكون فقيراً؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
أين هؤلاء السفلة من عظمة نبيهم موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ حينما خرج خائفاً يترقب، فلما ورد ماء مدين وسقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل الظليل لم ينسه ذلك الظل ظلاً أعظم، ومأوى أكرم، ولطفاً أشمل، ورعاية أكمل، فلبس ثوب الفقر، وارتدى جلباب الفاقة، وأعلن حالة المسكنة، ورسم لوحة الذل، في عبارات حانية، وكلمات هادئة، ومناجاة صادقة: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ ... [القصص:24]، فقير إلى كرمك، فقير إلى لطفك فقير إلى جودك، فقير إلى حسن عطائك في الدنيا والآخرة، لقد لجأ الفقير إلى الغني الحميد، والركن الركين، والظل الظليل، فسُمعت الدعوة، وأُجيب النداء، وأُغدق العطاء في طرفة عين، ولمحة بصر: ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ ... [القصص:25]، إن دعوة هذا الشيخ الكبير جاءت استجابة من السماء لدعاء موسى الفقير، فنال من خير الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
يا من يرى ما في الضمير ويسمع أنت المُعَدُّ لـكل مـا يتوقّـعُ
يـا مـن يُرجَّى للشدائـد كلـها يا من إليه المشتكى والمـفزعُ
يا من خـزائن رزقه في قول كن امنُنْ فإن الخير عنـدك أجمعُ
ما لي سـوى فقري إليـك وسيلة فبالافتقار إليك فقـري أدفـعُ
ما لي سوى قرعي لبابـك حيلـة فلئن رددت فأي بـاب أقـرعُ
من ذا الذي أدعو وأهتف باسمـه إن كان فضلك عن فقيرك يمنعُ
حاشا لجودك أن تُقّنـِّط عاصيـاً الفضل أجزل والمواهب أوسع
قال تعالى: ﴿مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ ... [السجدة:4]، أين الولي من دونه جل وعلا؟ وأين الشفيع؟ وأين النصير؟ وهو سبحانه المسيطر على العرش والسماوات والأرض وما بينهما، وهو فالق السماوات والأرض وما بينهما؛ فأين هو الولي أو الشفيع الخارج على سلطانه؟ أفلا يتذكرون!! إن تذكر هذه الحقيقة يرد القلب إلى الافتقار إلى الله، واللجوء إليه وحده دون سواه.
يجب أن يعرف الإنسان عظيم فقره، وشدة حاجته، وكبير فاقته إلى ربه جل وعلا، وأن الله تعالى هو الغني الحميد، ولكن بفضله وكرمه ولطفه وجوده أولى هذا الإنسان عناية فائقة، وأنزله منزلة كريمة، ومنّ عليه منناً عظيمة، أنزل إليه كتبه، وأرسل له أنبياءه، وسخّر له الكون بما فيه، واستخلفه في الأرض، وفجّر له أنهارها، وأخرج له كنوزها، ثم وعده بالنعيم المقيم ـ إن أطاعه ـ في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
كان شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ على جلالة قدره، ووفرة علمه إذا مُدح أو أثني عليه يتأثر تأثراً بالغاً ويقول: " ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء "، وكان كثيراً ما يتمثل بهذا البيت:
أنا المكدي وابن المكدي وهكذا كان أبي وجدي
ومن أبياته ـ رحمه الله:
أنا الفقيـر إلـى رب البريـات أنا المسيكين في مجموع حالاتـي
لا أستطيع لنفسي جلـب منفعـةٍ ولا عن النفس لي دفع المضرات
وليس لي دونه مولـى يُدِّبرنـي ولا شفيع إذا حاطـت خطيئاتـي
ولست أملك شيئـاً دونـه أبـداً ولا شريكٌ أنا في بـعض ذرّات
والفقر لي وصف ذات لازم أبداً كما الفنى أبداً وصـف له ذاتـي
انظر إلى هذه العناية الإلهية العظيمة بالإنسان، أنزل عليه الكتب، وأرسل له الرسل، وسخّر له ما في الكون جميعاً منه، وأعطاه السمع والبصر والفؤاد، وهيأ له إن أطاعه ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؛ رغم أنه مخلوق صغير ضئيل جاهل قاصر عاجز، إنه ساكن من سكان هذه الأرض التي هي بطولها وعرضها وامتدادها ما هي إلا تابع صغير جداً من توابع الشمس التي تكبرها بحوالي مائة وستة وأربعين مرّة، وهذه الشمس ما هي إلا نجم مما لا عد له ولا حصر من النجوم الضخمة الهائلة المتناثرة في الفضاء والتي قال العلماء إن عددها يزيد على عدد حبات الرمل المنتشرة على شواطئ بحار الدنيا، وكل هذه الكواكب التي بعضها يكبر الأرض بمئات المرّات ما هي إلا جزء من المجموعة الشمسية فما بالك ببقية المجرات والأفلاك والسماوات السبع والأرضين.
﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا ﴿27﴾ رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴿28﴾ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا ﴿29﴾ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ﴿30﴾ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا ﴿31﴾ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴿32﴾ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ ... [النازعات:27-33]، اللهم أغننا بك عمن سواك أنت الغني الكريم.
لقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلن افتقاره إلى الله، وشدة حاجته إليه، وعدم غناه عن فضله أو لطفه ولو لطرفة عين، ويدعوه أن لا يكله إلى نفسه، يلجأ إليه في السراء والضراء، وينطرح بين يديه في النعماء والبأساء.
وقف في معركة بدر يدعو ربه يناشده ويسأله النصر وقد أعلن فقره وأسلم أمره، رفع كفيه حتى سقط رداؤه من على منكبيه من كثرة ابتهاله إلى ربه.
ودخل مكة فاتحاً منتصراً، عزيزاً معززاً، كريماً مكرماً، عظيماً معظّماً بعدده وعتاده، وقوته ورجاله، فكان راكباً على دابته، حانياً ظهره حتى كادت ذقنه تمس رحل الدابة من شدة انحنائه خضوعاً له وافتقاراً لمولاه.
وكلّه رجل وهو يرتعد إجلالاً وخوفاً من هذا القائد العظيم، والفاتح الهمام، فقال له ـ صلى الله عليه وسلم: (هون عليك فإني لست بملك وإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد)
وإذا أجدبت الأرض، ومات الزرع، وجف الضرع، خرج ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطلب جود الغني، وكرم الكريم، فيخرج للاستسقاء ( مبتذلاً متواضعاً متضرعاً).
وإن المتأمل في جميع الأدعية القرآنية والأدعية النبوية يجدها تنبض بالفقر، وتعلن الحاجة، وتنطق بالفاقة إلى الله تعالى، وقد عرف العلماء الدعاء بأنه: " إظهار غاية التذلل والافتقار إلى الله والاستكانة له " وقال بعضهم: " هو لسان الافتقار بشرح الاضطرار ".
انظر إلى قوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴿26﴾ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ ... [آل عمران: 26، 27].
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴿87﴾ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ ... [الشعراء:87-89].
إن فيها إعلان الافتقار إلى الله تعالى في كل شيء، والبراءة من الحول والطول والقوة إلا به جل وعلا والانصراع على أعتابه، والاعتصام بجنابه.
ثم تأمل بعض أدعيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن ذلك:
عن على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا قام إلى الصلاة قال: ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين. إن صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا من المسلمين. اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت. أنت ربي وأنا عبدك. ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعاً، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت. لبيك وسعديك والخير كله بين يديك. والشر ليس إليك. أنا بك وإليك. تباركت وتعاليت. أستغفرك وأتوب إليك). وإذا ركع قال: (اللهم لك ركعت وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري، ومُخّي وعظمي وعصبي) وإذا رفع قال: (اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد). وإذا سجد قال: ( اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين). ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم: ( اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخّرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت).
ويقول ـ صلى الله عليه وسلم: ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا مُعطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد).
ويقول ـ صلى الله عليه وسلم: ( اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت).
وانظر إليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أخذ مضجعه وأوى إلى فراشه بماذا يترنم من عبارات الافتقار لله والاستسلام له والتفويض لأمره وسؤاله الحفظ وطلبه العناية والرعاية:
( اللهم أسلمت نفسي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت).
إلى غير ذلك من هذه الدرر الرائعة، والمناجاة الماتعة، والاحاديث الذائعة.
وخلاصة الأمر أن غنى الإنسان ورفعته وعزته في الدنيا والآخرة بقدر افتقاره إلى مولاه جل وعلا.
لفتة قرآنية:
عظمة هذا القرآن تهز النفوس المؤمنة، وروعة إعجازه تسبي القلوب المتدبرة، وبديع إشارته تروي الأذهان المتفتحة، تأمل معي هاتين الآيتين الواردتين في موضوع الافتقار:
قال تعالى في سورة فاطر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴿ 15﴾ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴿ 16﴾ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ ... [فاطر:15-17].
فبين جل وعلا أنه من كمال غناه وعظيم قدرته إن شاء أذهبكم وأتى بخلق جديد، فما ذلك على الله بعزيز، ولا هو عنده بمحال، فهو الغني الكريم، وهو الخالق المتصرف، أوجدكم من العدم، وأحياكم من موات، وليس بمعجز له أن يهلككم ويأت بغيركم، وهو الذي إذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون.
ثم يؤكد هذه الحقيقة مرة أخرى وبعبارات أكثر تهديداً وأشد وعيداً فيقول جل وعلا في سورة محمد : ﴿وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ ... [محمد:38]، فهنا تأكيد على وجوب الإيمان بأن الله تعالى هو الغني، وأن الناس هم الفقراء إليه، وتأكيدا على أن التولي عن شرعه والتخاذل عن دينه والإعراض عن هدايته سبب للبعد والهلاك.
يجب على الناس أن يدركوا هذه الحقائق وأن يعرفوا فضل الله عليهم وعظيم لطفه بهم، وأن لا يَنغَرُّوا بما أوتوا من العلم، وما نالوا من القوة، فإن ذلك كله لا يغني عنهم من الله شيئا، فإن لم يعلنوا فقرهم إلى الله وحاجتهم إلى رضاه والتزامهم بهداه، فقد عرضوا أنفسهم للوعيد الشديد، والنكال الأكيد في الدنيا والآخرة.






التوقيع
إشراف وتنشيط متميز

آخر تعديل بواسطة المحررة ، 10-01-2010 الساعة 02:53 AM.
  #2  
قديم 10-01-2010, 10:44 PM
الحلول التقنية الحديثة الحلول التقنية الحديثة غير متصل
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مشاركة: 117
مستوى تقييم العضوية: 15
الحلول التقنية الحديثة is on a distinguished road
الافتراضي

جزاك الله كل خير





  #3  
قديم 10-01-2010, 10:49 PM
الصورة الشخصية لـ ابو رجب
ابو رجب ابو رجب غير متصل
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
مشاركة: 127
مستوى تقييم العضوية: 15
ابو رجب is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر MSN إلى ابو رجب
الافتراضي

جزاك الله خيرا اختي
وجعله في ميزان حسناتك






التوقيع
أســـــم الشــــركه : مؤسسة إبتكار الدولية للتصميم والاستضافه والبرمجه.
رابـــط الشــــركه : www.eptkar.com
مجـال الشـــــركه : تصميم - استضافه - برمجه .
للاتصال بالمبيعات: ragab@eptkar.com
طــرق الاتصـــال : الهاتف الجوال (للمبيعات): 0100064587 - 002
  #4  
قديم 11-01-2010, 02:32 PM
الصورة الشخصية لـ egy3host.com
egy3host.com egy3host.com غير متصل
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
مشاركة: 87
مستوى تقييم العضوية: 15
egy3host.com is on a distinguished road
الافتراضي

جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان حسناتك





  #5  
قديم 30-01-2010, 01:47 AM
الصورة الشخصية لـ المحررة
المحررة المحررة غير متصل
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
مشاركة: 516
مستوى تقييم العضوية: 17
المحررة is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر MSN إلى المحررة
وسام الويب البرونزي 
عدد الأوسمة: 1 (المزيد ...)
الافتراضي

إقتباس:

اقتباس من مشاركة الحلول التقنية الحديثة   مشاهدة المشاركة

   جزاك الله كل خير


شكرا لمرورك الطيب

لا حرمت الأجر والثواب








التوقيع
إشراف وتنشيط متميز
  #6  
قديم 30-01-2010, 01:47 AM
الصورة الشخصية لـ المحررة
المحررة المحررة غير متصل
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
مشاركة: 516
مستوى تقييم العضوية: 17
المحررة is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر MSN إلى المحررة
وسام الويب البرونزي 
عدد الأوسمة: 1 (المزيد ...)
الافتراضي

إقتباس:

اقتباس من مشاركة ابو رجب   مشاهدة المشاركة

   جزاك الله خيرا اختي
وجعله في ميزان حسناتك


شكرا لمرورك الطيب

لا حرمت الأجر والثواب








التوقيع
إشراف وتنشيط متميز
  #7  
قديم 30-01-2010, 01:51 AM
الصورة الشخصية لـ المحررة
المحررة المحررة غير متصل
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
مشاركة: 516
مستوى تقييم العضوية: 17
المحررة is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر MSN إلى المحررة
وسام الويب البرونزي 
عدد الأوسمة: 1 (المزيد ...)
الافتراضي

إقتباس:

اقتباس من مشاركة ايجى 3 هوست   مشاهدة المشاركة

   جزاك الله كل خير وجعله فى ميزان حسناتك


شكرا لمرورك الطيب

لا حرمت الأجر والثواب








التوقيع
إشراف وتنشيط متميز
  #8  
قديم 31-01-2010, 10:07 PM
الحلول التقنية الحديثة الحلول التقنية الحديثة غير متصل
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
مشاركة: 117
مستوى تقييم العضوية: 15
الحلول التقنية الحديثة is on a distinguished road
الافتراضي

جزاك الله الف خير





  #9  
قديم 01-02-2010, 02:33 AM
الصورة الشخصية لـ المحررة
المحررة المحررة غير متصل
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
مشاركة: 516
مستوى تقييم العضوية: 17
المحررة is on a distinguished road
إرسال رسالة عبر MSN إلى المحررة
وسام الويب البرونزي 
عدد الأوسمة: 1 (المزيد ...)
الافتراضي

إقتباس:

اقتباس من مشاركة الحلول التقنية الحديثة   مشاهدة المشاركة

   جزاك الله الف خير


شكرا لمرورك الطيب

لا حرمت الأجر والثواب








التوقيع
إشراف وتنشيط متميز
موضوع مغلق




قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة موضوع جديد
لا يمكنك الرد على المواضيع
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

كود vB متاح
كود [IMG] متاح
كود HTML مغلق
إنتقل إلى

مواضيع مشابهة
الموضوع الكاتب القسم مشاركة آخر مشاركة
ماشاء الله تبارك الله ... ارشفة خلال ساعات بإذن الله استاذ محمد التبادل الإعلاني وأدلة المواقع 1 23-04-2009 05:22 PM
بسم الله الرحمن الرحيم على بركة الله تم بحمد الله فتتاح التفصيل بى الداخل الراجى رضاء الله مزاد المواقع 2 28-08-2006 06:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم على بركة الله تم بحمد الله فتتاح التفصيل بى الداخل الراجى رضاء الله أخبار المواقع 1 28-08-2006 02:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم على بركة الله تم بحمد الله فتتاح التفصيل بى الداخل الراجى رضاء الله تطويرالمواقع 0 28-08-2006 02:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم على بركة الله تم بحمد الله فتتاح التفصيل بى الداخل الراجى رضاء الله أخبار المواقع 0 28-08-2006 02:20 AM


جميع الأوقات بتوقيت مكة المكرمة. الساعة الآن » 01:15 PM.

Powered by vBulletin
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.


 
 »  خدمات البرمجة   »  رئيسية الدليل
  »  خدمات التصميم   »  الأمن والحماية
  »  الدعاية والتسويق
  »  الدعم والتطوير
  »  الشركات الرسمية
  »  حجز دومينات
  »  خدمات الإستضافة
 
 
  »  مكتبة الإستايلات   »  رئيسية المكتبة
  »  أكواد برمجية   »  أدوات الويب ماسترز
  »  مكتبة الهاكات   »  أدوات المصممين
  »  سكربتات متنوعة
  »  مجلات إلكترونية
  »  بلوكات متنوعة
  »  ثيمات مختلفة
 
 

صحيفة متخصصة في متابعة أخبار وجديد الإنترنت العربي
والحوارات الصحفية ومعلومات تقنية متنوعة .

   
 
 

للتواصل مع فريق عمل الويب العربي
يمكنك ذالك من خلال مركز الدعم والمساندة.

 الدعم الفني |  اعتماد العضويات |  قوانين الإنتساب |  إتفاقية الإستخدام |  أهداف الويب العربي |  دليل الشركات |  مكتبة الويب |  صحيفة الويب العربي |  الرئيسية