[رميصاء]

كثير من أولياء الأمور والمربين كذلك يواجهون سلوكيات مرفوضة من الأبناء، وتصرفات غير مستقيمة تقع على مرأى منهم أو من وراء ظهورهم، ويسعون لتقويم تلك السلوكيات بشتى الطرق، ولكي يسهل عليهم ذلك، يجب التعرف على مسببات هذه السلوكيات ليسهل عليهم علاجها، ويحدون منها قدر الإمكان.

خمسة محاور رئيسية نتحدث فيها عن سلوكيات أبنائنا من مواقف الحياة، ونرى الجانب الإسلامي المشرق الذي يضبط هذه السلوكيات.

لم يترك شرعنا الإسلامي السمح مشكلة إلا وتطرق إليها وعالجها، وعلينا نحن أن نبحث عن أسباب انحراف سلوك أبنائنا، فعندما نشاهد '5' من الشباب يدخنون، لا بد أن نبحث عن سبب تدخين كل واحد منهم لنشخص العلاج المناسب له 'العلاج السلوكي الأخلاقي'.



ـ فما هي أنواع الانحراف:

1ـ انحراف معرفي. 2ـ انحراف عرفي.

3ـ انحراف أخلاقي. 4ـ انحراف فكري.

5ـ انحراف قيمي.

1ـ الانحراف المعرفي:
وهذا النوع من الانحراف مبني على 'أعرف ولا أعرف' أي غياب المعلومة، وهو أكثر أنواع الانحراف انتشارًا ولكنه أبسطه، فبمجرد معرفة الابن أن التدخين يضر بالصحة وأن الشرع يحرمه، يقلع عنه بإذن الله، أما أن يترك دون إرشاد، فلن يشعر بمدى أضرار هذه العادة، فترى كثيرًا من الشباب يدخنون وإن نهوا عن ذلك يقولون إنهم لأول مرة يسمعون أن التدخين محرم ولم يحدثهم أحد عن أضراره. فأين ولي الأمر من أبنائه؟؟ يمر يوم ولا يجتمع معهم إلا ساعة تناول الطعام، وساعة أخرى لمحاسبة الابن: اكتب، اجلس، رتب، ابق مؤدبًا ..! أين ساعة الأنس؟ ألا تشارك ابنك حديثه وملعبه، أين نحن من أخلاقيات حبيبنا المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما كان يداعب أنباءه ويلاعب أصحابه. هناك نقطة مهمة أيضًا، فجهل الآباء بسلبيات السلوك الخاطئ يبقي الأبناء على الاستمرار في الخطأ، فإن كان الأب لا يدرك أضرار التدخين وهو ذاته يدخن، كيف ينصح ابنه؟

2ـ الانحراف العرفي:

وهو أن الشاب يعرف الصواب من الخطأ، ولكنه يصر على التدخين بحجة أن جل زملائه يدخنون، وأن الكثير والكثير من الشباب يدخنون، فيقول: لماذا أنا بالذات سأقلع عن التدخين؟

زملائي كلهم يتعرضون للفتيات في الطرقات، أأمتنع وحدي عن ذلك؟

زملائي كلهم يغشون في الامتحان ويحصلون على العلامات المرتفعة جراء ذلك، هل سأتوقف عن الغش ليهزأ بي زملائي؟

ومن الطريف أني كنت أصلي يومًا بلباس الرياضة: القميص والبنطلون، فتقدم أحد التلاميذ وقال لي: أستاذ لا يجوز أن تصلي بهذا اللباس، فقت له: لماذا؟ قال: لأنه مفصل!.

وتصادف في اليوم التالي أني كنت أراقب على الفصل الذي فيه الطالب ذاته، فلمحت في جيبه أوراق ليغش منها، قلت له: ما هذه الأوراق؟ فأجاب حرفيًا: أما في الزواج والتجارة فلا يجوز، وأما في أمور الدنيا فلا بأس!!

فالأعراف هي قوانين غير مكتوبة يتبعها الأبناء، لذلك صار الانحراف قانونًا غير مكتوب، ولذلك تسمع بعضهم يقول: عادي أن أخرج مع زميلة لي إلى المطعم لأشرح لها مسائل رياضية، عادي أن أنقل من زميلي في الامتحان، عادي وعادي وعادي .. اكتسب أبناؤنا أعرافًا كثيرة، والمؤسف أن كثيرًا من الأسر تقلبت ورضيت بهذه الأعراف، بل إن منها من يشجع عليها.

وتتغير هذه الأعراف بتغير الصحبة، فهل تعرفنا على أصحاب أبنائنا لنعرف أن الأعراف التي يكتسبونها سليمة أم منحرفة.

ومن الأعراف المنتشرة في المجتمع الكويتي، أن تخصص الأم لابنها ديوانية في البيت يجمع فيها زملاءه لتطمئن على ابنها، وتنام قريرة العين؛ لأن ابنها في المنزل، بينما أمهات زملائه ينتظرون أبناءهم خلف باب المنزل في ساعة متأخرة من الليل .. فأي عرف هذا؟!.

3ـ الانحراف الأخلاقي:

أي الغريزي، فالإنسان يأكل إذا جاع، يشرب ليروي ظمأه، ينام ليريح عقله وبدنه، هذه من الحاجات الأساسية التي تحتاج لإشباع، فهي غريزة فطر الإنسان عليها، ولقد هذب ديننا الإسلامي الحنيف غرائزنا، خلقنا الله سبحانه وتعالى وعلمنا كيف نشبع ما فطرنا عليه بأخلاق وذوق. لم تترك الشريعة الإسلامية خلقًا أو معاملة في حياة الإنسان إلا واعتنت به، فدونت نصوصًا وشروحًا في كتبنا، إذن فهي موجودة في الشريعة، ولكن أين هي من التطبيق؟ أين هي من التعليم والتربية؟

إذا لم يجد أبناؤنا من يعلمهم ويقوم من أخلاقياتهم، فكيف لخلقهم أن ينضبط، لذلك يعتدون دون مبالاة، ومن ثم الآباء والأمهات هم أكثر من يعاني من سوء خلق الأبناء.

أضرب أبسط مثال للقدوة التي يجب أن تتمثل في أحسن صورها في الآباء لأبنائهم، فعندما يقود الأب سيارته فيتعدى على هذا، ويرفع صوته على ذاك، والابن جالس بجانبه يراقب تصرفات والده، فلا عفو ولا تسامح ولا إيثار في تعاملنا نحن الآباء، وكذلك داء الكذب المنتشر بين الكبار قبل الصغار، آباء وأمهات وأساتذة أيضًا، تكاد المصداقية توأد عند كثير من الناس، ثم ننصح أبناءنا بأن يضبطوا أخلاقهم، كيف ونحن مقصرون؟!

جاء رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليتمم مكارم الأخلاق، فالأخلاق موجودة فينا جميعًا، ولك الإسلام جاء ليظهرها ويهذبها، وجاء رسولنا الكريم ليرفعها إلى أسمى الرتب، فلنكن نحن قدوة في التطبيق الحي للأخلاق التي ندعو لها، ليتمثل بها أبناؤنا، فإذا نجحنا في تحفيظ أبنائنا سورة من القرآن لننجح في تحفيظ أبنائنا سورة من القرآن لننجح أيضًا في تفهيم معانيها وتطبيق أحكامها .. ففي كل الأبناء بذرة خير تحتاج إلى من ينميها.

4ـ الانحراف الفكري:

هو من يتحدث عنه علماء النفس 'الارتباط'، أي أن الشاب قد أقلع عن التدخين، ولكنه عندما يزور أحد الأماكن التي كان يجتمع بها مع زملائه ليدخنوا، فإن ذلك سيذكره بالتدخين ويعاوده الشعور باللذة التي كان يشعر بها عندما كان يدخن، أو أنه إن كان شاربًا للخمر وتاب عن ذلك، فإنه عندما يرى زجاجة خمر يشتهي أن يشرب مرة أخرى.

إذًا، فهذا النوع من الانحراف مرتبط بالفكر، يرى ما يذكره بما كان يفعل، فيعادون ذلك ولو بعد عام من ترك ذلك الأمر.

ونوع آخر من الانحراف الفكري كأن يقول الابن: لا أستطيع أن أدرس إلا إذا .. لا أستطيع أن آكل إلا إذا ..، إذا شعرت بألم في رأسي فلابد من أدخن، فترتبط الفكرة بأسلوب معين.

فما علاج هذا النوع من الانحراف؟

أـ طرح بديل طيب كما كان يفعل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تبديل بالسلوك الفكري للإنسان.

ب ـ قراءة القرآن الكريم فهو شفاء من كل داء والمداومة على الأذكار لتطمئن نفسه وليزيد قربه من الله تعالى وتسمو نفسه عن الخبائث.

5ـ الانحراف القيمي:
هو أن يشعر الشاب في قرارة نفسه أنه مالك لفعل سيئ وأن هذا الفعل من شيمه وقيمه، فتسمعه يقول: أنا أستمتع عندما أعتدي على الناس، أفرح عندما أقود شابًا إلى طريق الإدمان، أشعر بالقوة عندما أتعرض للفتيات في الطرقات، أشعر بالقوة كذلك عندما أسرق وأعتدي وأقتل. أما علاج هذا النوع من الانحراف، فهو الحدود التي شرعها الإسلام للمعتدين، والضوابط الشرعية التي سنها الإسلام من أحكام وقوانين، والامتثال بين يدي العدالة التي تأبى الظلم والعدوان، فلابد للنصيحة كي لا يتعرض أبناؤنا لأي نوع من الانحراف، وإذا لم يُجدِ ذلك فالتعزير وتطبيق الحدود.

ـ ماذا نفعل قبل أن نتهم الأبناء بالانحراف؟

1ـ نحدد نوع الانحراف من الأنواع الخمسة التي ذكرت في الأعلى.

2ـ نحلل هذا الانحراف الذي يندرج تحت باب معين.

3ـ نتعرف على دورنا نحن كمسؤولين وفقًا للشريعة الإسلامية.


ـ كيف نحد من هذه الانحرافات:

1ـ نشر العلم بين الأبناء بجميع الوسائل 'المرئية، المسموعة، المقروءة والمكتوبة' بطريقة بسيطة وميسرة.

2ـ التعايش المباشر مع الأبناء بالروح المحمدية، أي بالوجه السمح والكلمة الطيبة.

3ـ انتهاز الفرص والمناسبات كإقامة حفلة لابنك إن أتم حفظ جزء من القرآن، وحفلة إن التزم بصلاة الفجر في المسجد عددًا من المرات، وحفلة لابنتك بمناسبة ارتدائها للحجاب، فذاك يشجع الأبناء ويحد من فرص انحرافهم.

[الحلول التقنية الحديثة]

جزاك الله كل خير