[محمد سعد حميده]

ناقل و منقول و بينهما مبدع

ناقل و منقول و بينهما مبدع

المنتديات العربية تفيض بالشكوى من ظاهرة النقل و الموضوعات المنقولة و تكاد تكون كلمة "منقول" او "ملطوش" هي اكثر الكلمات تكرارا و بروزا في المنتديات العربية
من وجهة نظري ان النقل ليس ظاهرة سلبية في حد ذاتها
النقل ليس ضد الابداع كما يتصور البعض
فقد يكون الناقل هو اكثر اعضاء المنتدى ابداعا
و قد رايت في احد المنتديات عضو كل موضوعاته منقوله و كان يدخل باسم "الناقل المبدع " و قد تتعجب من اسمه فانه يعترف من البداية انه ناقل و انه لا يكتب و انه متخصص في النقل هكذا اعترف منذ انشأ اسم عضويته و مع هذا يصر انه مبدع
فلما نظرت في موضوعاته فوجدتها اكثر الموضوعات شعبية في منتداه
صاحبنا و منذ البداية افسد نظريتنا عن ان النقل يخرب المنتديات و يجعلها قص و لصق فيدمرها تدميرا
فعلا النقل يؤدي الى خراب المنتديات عندما يكون الناقل غير مبدع
و كذلك تخرب المنتديات اذا غاب عنها عنصر الابداع حتى و لو كانت كل موضوعات الاعضاء مكتوبة باقلامهم
اسمح لي ان اخبرك عن معلومة قد تصدمك ان عنصر قوة الحضارة الاسلامية كان في اعتمادها على النقل

النقل من الريادة و الريادة كانت قديما مهمة عظيمة و جليلة جدا
كانت القوافل التجارية تتحرك في الصحراء فكان الرائد يسبق القافلة في أي اتجاه و يكتشف لهم الطريق فاذا وجد بئر ماء ذهب اليه ليعرف ان كان هذا بئر حقيقي ام سراب و يجرب ماء البئر على كلبه ليعرف ان كان الماء مسموم ام سليم ثم يجربه على نفسه ليتاكد ان مذاقه عذب ام فيه ملوحة فاذا تاكد من كل هذا رجع الى قافلته ليبشرهم بوجود بئر ماء في هذه المنطقة او يحذرهم من وجود بئر ماء غير صالح
و قد كان العرب يختارون للريادة اكثر الناس صدقا و حكمة حتى لا ينقل لهم الا الصدق و لا ينقل لهم الا ما ينفعهم و لا يحذرهم الا مما يضرهم

وكان العرب بعد اسلامهم يهتمون بنقل الاحاديث النبوية الشريفة الى طلاب العلم و الى المسلمين في كل مكان فلما زادت حركة النقل و خافوا من ظهور من يؤلف احاديث و ينسبها بالكذب الى النبي صلى الله عليه وسلم فلما خاف المسلمون هذا ظهرت حركة التوثيق و هو ان لا يكتفي الناقل بنقل الخبر او الحديث و انما عليه ان يوثقه بذكر المصادر و تاكيد صدقها ثم انتشر الاسلام بين غير العرب فانتشرت الترجمة ترجمة النصوص الاسلامية الى غير العرب و ترجمة علوم غير العرب الى اللغة العربية
فاصبحت المكتبات العربية تحوي علوم الفرس و علوم الروم و علوم الصين و علوم الهند فاصبح على أي طالب علم في العالم ان اراد العلم فعليه بتعلم العربية التي تحوي كل علوم السابقين و اللاحقين (في وقتهم ) و من اراد ان يصل علمه الى الناس كان يكتب علمه باللغة العربية حتى لا يضيع علمه و حتى ينتقل و ينتشر

اذن اجدادنا اصبحوا سادة العالم بالنقل (النقل المفيد)
لكن اجدادنا من المسلمين الاوائل لم يكونوا مجرد ناقلين دون وعي مثلهم كمثل الحمار يحمل اسفارا
لا
بل على العكس تماما
كان المسلمون الاوائل لديهم ثلاث معايير هامة جدا للنقل
المعيار الاول : نقل المفيد و النافع فقط
المعيار الثاني : توثيق النقل و اثبات مصدره حتى لا تنتشر الاكاذيب و تضيع الحقائق و لهذا احترمهم اهل العلم من كل الحضارات لانهم اعتبروهم سبب في نشر علمهم و لم يتهموهم بالسرقة

المعيار الثالث : كان للمسلمين دور ايجابي في النقل فكانوا ينقلون و يختبرون المعلومات المنقولة و يقولوا هذا صواب و هذا خطأ و كانوا يعرضون ما ينقلونه على الدين فيقولون هذا يوافق الشرع و هذا يخالف الشرع

فعندما فتح المسلمون البلاد وجدوا نظاما اداريا و اساليب علمية في الري و الزراعة فاهتم بها المسلمون و نقلوها الى شعوب اخرى لينتفعوا بها و لكنهم وجدوا المصريون يغرقون فتاه كل عام في النيل حتى يرضى عنهم الهة النيل فابطل المسلمون هذه العادة المنافية للاسلام
فكانوا نقلة اذكياء و مبدعين فلا ينقلوا الا ما هو مفيد و كانوا يطورون و يشاركون في تطوير ما نقلوه فلا يكتفون بمجرد النقل
فقد ترجم المسلمون منطق ارسطو على الرغم ان اهل اوربا وقتها كانوا لا يهتمون بكتبه و مع هذا انتقد علماء المسلمين كتب ارسطو و افلاطون و اخذوا منها المفيد و نبهوا الى ما فيها من ضرر و اضافوا الى منهج ارسطو المنهج التجريبي و لم يكتفوا بالنظريات دون التجارب العلملية

لو طبقنا كل ما سبق على منتدياتنا سنجد اهل النقل منقسمين الى اقسام كثيرة
-منهم من ينقل الى منتداه شروحات هامة لبرامج مفيدة او اعلانات عن فرص عمل جيدة او حكمة تعلمها فاراد نفع اصحابه بها و لو ان احد اصدقائك قال لك تعالى هناك فرصة عمل مناسبة لك فلن تقول له ابتعد عن النقل و اذهب انت و افتح شركة بنفسك و اوجد لي فرصة عمل

و من ناقلي المنتديات من فكر بطريقة خطأ او لم يفكر اصلا فكان مثل التلميذ الفاشل
ارسله اهله لاوربا لينقل لهم احدث اساليب الزراعة و الصناعة فرجع ليحكي لهم عن بنات اوروبا و خمور اوربا لان سيادته لم يذهب يوما من ايام بعثته الى معاهد العلم و انما قضى البعثة في الكباريهات

و من ناقلي المنتديات من ضيع وقته و اخذ يبحث عن من يشتم ديننا و اخذ يستهلك وقته و طاقته في ترجمة اهانات الناس لنا و نسي المثل البلدي الشعبي البسيط ((ما شتمك الا لما بلغك)) أي ان الاهانة لم تتحقق الا عندما وصلت الى علمك و من اهانك هو من نقل لك الاهانة و ليس من صدرت منه الاهانة
فقد رضي صاحبنا الناقل هنا ان يقوم بدور المبلغ المهيج و لو كان صادقا في غيرته لرد الاهانة على من صدرت منه دون ان ينقلها الينا

كن ناقلا سيدي و لا تعيد اكتشاف ما هو مكتشف و لا تعيد شرح ما تم شرحه

الناقل يساعدنا دائما على البدء من حيث انتهى الاخرون
بشرط ان يكون مبدعا

المصدر
محمد سعد حميده
7/9/2009