أخوتي وأحبتي في الله ،،
هل أدلكم على ما يقضي همكم ويشفي مرضكم ويفرج كربكم وييسر أموركم ويحقق آمالكم وينصركم على أعدائكم إنها سهام الليل ، هل تعرفوها ؟؟
سهام الليل هي الدعاء في جوف الليل حين يكون الله جلّ وعلى في السماء الدنيا يسمع نجوانا ويبحث عن سائل أو مناجي أو صاحب حاجة ، سهام الليل ،،نعم إنه الدعاء وخاصةً إذا كان في جوف الليل، وقد غفل الكثير منا عن هذا الوقت المستجاب فيه الدعاء، وقد ورد في الحديث.. "أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل وينادي: "هل من مستغفرٍ فأغفر له، هل من تائبٍ فأتوب عليه، هل من سائلٍ فأعطيه".. إنه وقت مستجاب فيه الدعاء، بل إن الله- عز وجل- هو الذي يطلب منا الدعاء ويعدنا بالإجابة، فأين نكون نحن عندما ينادي علينا ربنا في وقت السحر؟ هل نكون نائمين نغط في النوم غطًّا.. أم واقفين بين يدي الملك نقوم له ونتضرع إليه ونستغفره لذنوبنا ونسأله من فضله العظيم.. ألسنا في حاجةٍ إليه، وإلى عونه وإلى قوته.. بلى فنحن في أشد الحاجة إلى قوة ملك الملوك ليمدنا بقوته وعونه وتوفيقه.
شروط الإجابة
أحبتي.. علينا بسهام الليل، فإنها لا تخطئ، وقد يقول قائل إننا ندعو الله ليلاً ونهارًا ولا نرى أثرًا للدعاء، وحال المسلمين هو هو لا يتغير، وأرد عليه بأن الدعاء المستجاب له شروط، فهل راعينا هذه الشروط، أم أننا ندعو وفقط دون أن نفقه شروط استجابة الدعاء، ومن أهم هذه الشروط المكسب الحلال، كما قال- صلى الله عليه وسلم- للصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص: "يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة"؛ ولذا على كل مسلم أن يسأل نفسه هل مطعمي من حلال؟ وهل أتقن عملي حق الإتقان حتى إذا أخذتُ راتبي أصبح حلالاً صافيًا لا شبهةَ فيه؟ هل أتحرى المكسب الحلال؟
وحتى نعلم أهمية المكسب الحلال في استجابة الدعاء نذكر حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلم في صحيحه؛ حيث يقول صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا﴾ وقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾.. ثم ذكر الرجل يُطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنَّى يُستجاب له".
فهذا الرجل قد توفَّرت له كل أسباب إجابة الدعاء من سفر، ورفع اليدين إلى السماء، وقوله يا رب، وهو أشعث أغبر، ومع ذلك لا يُستجاب له؛ لأن كسبه حرام، ومطعمه حرام.
ومن شروط استجابة الدعاء أيضًا الإخلاص في الدعاء والثقة في الله عز وجل أن الله سيقبل منه دعاءه، والإلحاح بالدعاء؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب العبد اللحوح"، وأن يكون القلب حاضرًا، وعدم تعجل الإجابة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل".
فلا تجزع أخي المسلم إذا تأخرت إجابة الدعاء؛ حيث يقول ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر: "رأيتُ من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يُجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة، ولا يرى أثرًا للإجابة، فينبغي له أن يعلم أنَّ هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر، وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب، ولقد عرض لي من هذا الجنس.. فإنه نزلت بي نازلة، فدعوت، فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده.. فتارةً يقول: الكلام واسع والبخل معدوم، فما فائدة تأخير الجواب؟ فقلت له: إخسأ يا لعين، فما أحتاجُ إلى تقاضٍ، ولا أرضاك وكيلاً".
الأخذ بالأسباب مع الدعاء
ومن الشروط المهمة أيضًا الأخذ بالأسباب، فلا يعقل أن ندعو ونقول: "يا رب انصرنا" ونحن معنا الأسباب- مهما كانت بسيطة- ولا نأخذ بها، فالله عزَّ وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها، ولذلك يجب علينا أن نأخذ بما نملك من أسباب وندعو، فالمريض مثلاً الذي يدعو الله سبحانه بالشفاء، لا يحق له أن يترك مسئولية العلاج ويكتفي بالدعاء، والذي يهدده الظالم، لا يجوز له أن يخنع ويستكين لإرادة الظالم، ثم يدعو الله ليزيل هذا الضرَّ عنه.
فإذا أخذنا بالأسباب واستنفدناها كلها وتجردنا من حولنا وقوتنا ودعونا الله بقلب حاضر وراعينا الشروط السابقة استجاب الله لنا.. وفي هذا يقول فضيلة الشيخ الشعراوي- رحمه الله-: "حين يلجأ الإنسان المؤمن إلى الله تعالى بعد أن يستنفد كل الأسباب التي منحها سبحانه له ويتجرد من حوله وقوته إلى حول الله تعالى وقوته هنا يستجيب الله سبحانه وتعالى، فقد اقتضت حكمته سبحانه أن يكون دعاء العبد المؤمن مقبولاً؛ لأنه دعاء مضطر، لذلك يجب علينا أن نقف عند الآية القرآنية الكريمة التي يفهمها بعض الناس فهمًا قاصرًا عن معناها، يقول سبحانه: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ (البقرة: 186).
البعض منا قد يتساءل، لقد دعوت الله فلم يستجب لي، لماذا؟
وقد يشرد ذهن بعض هؤلاء الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم؛ فيظنون أن الله تعالى قد أخلف وعده، لهؤلاء نقول: أنتم دعوتم الله دون استخدام ما وهبكم سبحانه من إمكانات؛ لذلك كانت دعواتكم من غير اضطرار؛ لأن الله يستجيب الدعاء ممن استنفد كل أسباب الدنيا، فتوجه إلى الله تعالى بقلبه وعقله، ومطعمه حلال ومشربه حلال، كما أن الدعاء المرجو قبوله لا يضر بصالح قوم آخرين، ثم إن الاستجابة قد تكون فورية في الدنيا وقد تؤجل للآخرة لمصلحة العبد المؤمن فعندما يضعف مثل هذا المؤمن في أي موقف، فإن الله سبحانه يعين هذا الإنسان على تحقيق ما يرجوه".
وختامًا.. إخوتي في الله علينا أن نراعي شروط إجابة الدعاء، وأن نكثر منه فإنه عبادة، حيث ورد عن النعمان بن بشير أنه قَالَ رَسُول اللَّه- صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ الدُّعَاء هُوَ الْعِبَادَة" ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60)﴾ (غافر). فلا نمل ولا نكل، ولنعلم أن الله يحبُّ أن يسمع أصواتنا ويرى تضرعنا، فإذا وجد الله منا صدقًا في دعائنا وإخلاصًا في أعمالنا وأخذًا بالأسباب في حدود الإمكانات المتاحة لنا.. استجابَ لنا وغيَّر حالنا، ونصرنا على عدونا، وأعاد للأمة عزَّها ومجدها.
منقول