توبة شاب خرافي
الخرافيون هم الذين بنوا دينهم على الخرافة من تعظيم القبور
وعبادتها ، والتعلق بالأموات ودعائهم من دون الله ، واعتقاد
نفعهم وضرّهم ، والله عزّ وجلّ يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم
: (( قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلَا رَشَداً ))
( الجن : 21) بل قال له : (( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي
نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ
أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا
مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ
لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )) ( الأعراف : 188) .
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق لا يملك
في حياته لأحد ضرّاً ولا رشداً ؛ فكيف بغيره من سائر الخلق ؟!
، وفي قصّة هذا الشاب تتجلّى صور الخرافة التي نشأ عليه أولئك
القوم ، وشابت عليها مفارقهم ، يقول هذا الشاب :
أنا شابّ أبلغ من العمر ثماني عشر عاماً ، نشأت في عائلة ذات
دين ، لكنّه دين التقليد والخرافة ، أحببت منذ الصغر قراءة
القرآن وحفظه ، والسير على ما سار عليه الآباء والأجداد ، فلقد
كانوا – هداهم الله – علي شيء بعيد عن الإسلام من عبادة
الأوثان – أعني الأولياء المزعومين – والتبرّك بالقبور وأهلها
وأحفادهم ، حتّى إنّنا لنعظّمهم أكثر من أيّ شيء ، وخوفنا منهم
أكثر من خوفنا من ربنا ، وقسمنا بهم أكثر من قسمنا بربّنا ،
فقد علّمنا آباؤنا أنّنا إذا مررنا بأحفاد هؤلاء ولم نقبّل
أيديهم أو نسلّم عليهم فكأنّنا قد حرمنا القرب من الله ، أمّا
زيارة قبور الأولياء . والبكاء عليها فأمر لا بدّ منه ، فإذا
كان يوم زيارة قبر ذلك الوليّ لبسنا له أحسن الثياب وتطيبنا ،
وتنظّفنا ، وذهبنا نبكي عند ذلك القبر بكاء لا نبكيه عند سماع
آيات القرآن العظيم، فكنّا نعظّم ذلك الوليّ أكثر من آبائنا و
مشايخنا ، بل إنّ علماءنا – علماء السوء – كانوا يشجّعوننا على
القيام بمثل هذه الأعمال ، لاعتقادهم بأنّ هؤلاء الأولياء هم
سبب توفيقنا للطاعة ، وثباتنا عند السؤال في القبر ، ودفع
البلاء عنّا وكلّ مفسدة ، وجلب كلّ مصلحة (!) ، فكنّا نتكلّم
بسبّ الإله ولا نبالي لأنّ الله سيغفر لنا ، لكن لا نجرؤ أن
نتكلّم عن أوليائنا (!) بما هو فيهم ، حتّى إنّ الشيطان زيّن
لي ذلك ، وأصبحت من كثرة تعظيمي لهؤلاء الأولياء أرى نفسي
بأنّني قد وصلت إلى مرتبة الولاية ، بل إنّني حدّثت نفسي يوماً
من الأيّام : من أنا ؟ فكان الشيطان – لعنه الله – يجيبني
بأنّي أحد الأنبياء المقرّبين، فكنت حين أسمع صفات النبي صلى
الله عليه وسلم الطاهرة الزكيّة أتمثلها في نفسي ، وكانت تحدث
لي إلهامات شيطانيّة ، فحين سمعت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم
ما رأى شيئاً في المنام ، إلا جاء مثل فلق الصبح ، كنت أحدّث
نفسي بذلك، وأرى أشياء في المنام، فتأتي علي ما رأيته في
النهار ، وكلّ ذلك من كيد الشيطان ووحيه وتضليله ، ولم يكتفِ
إبليس اللعين بذلك ، بل كان يوحي إليّ بأنّ على وجهي نوراً مثل
نور الشمس ، وإذا توضأت للصلاة فسيذهب هذا النور ، والأحسن
ألّا أتوضأ حتّى يراني الناس بذلك النور العظيم (!) ، وكنت –
غفر الله لي – أسيّر بعض أصحابي على سيرتي من التبّرك
بالأولياء وتعظيمهم ، فكنت أقول لهم : إنّي رأيتهم في المنام
قد تحصّلوا على ورقة السعادة ببركة ذلك الولي الذي زرناه ،
وكنت أعارض كلّ من يطعن في الأولياء أو يقول فيهم شيئاً يؤذيهم
، حتّى إنّني مرّة تخاصمت مع بعض الإخوة لمّا نفى لي التبرّك
بالأولياء ، فكان يقابلني بالحجج والبراهين من الكتاب والسنّة
، فأقابله ببعض القصص الخرافية المختلقة عن الأولياء ... ومتى
كانت العقيدة تؤخذ من قصص العجائز والدراويش ؟
ولم يكتفِ الشيطان منّي بهذا ، بل لقد قالت لي يوماً من
الأيّام امرأة دجّالة كاهنة بوحي من الشيطان ، بأنّني قد بلغت
درجة الأولياء بسبب تعظيمي لهم ، وقالت لي أشياء تتنافى مع
الشرع والواقع ، وقالت لي بأنّني منذ ولدت أخذني عباد الله
الصالحون (!) .. فكان ذلك ممّا زادني حبّاً لهم واشتياقاً
إليهم ، وكنت أجعل هذه المرأة الكاهنة هي الأخرى من أولياء
الله الصالحين ، فكنت لا أصلي إلا معها ، وآكل كلّ طعام تبعث
به من أجل البركة (!) .. كلّ هذا وأنا في مستنقع التقليد ،
وأهلي يشجّعونني على ذلك ، حتّى أصبحت أضع الخبز على قبور
الأولياء طلباً للأجر ، وأبدأ بالصدقة من قبورهم حتّى تقبل
منّي (!) .
وبعد كلّ هذا الضلال والطغيان ، وتقليد الآباء والأجداد ؛ كنت
في يوم من الأيّام خارجاً من المسجد ، وكانت دار أحد أصدقائي
المخلصين على الطريق ، كانوا يجتمعون فيها لذكر الله عزّ وجلّ
، والتعرّف على حقيقة هذا الدين بعيداً عن التقليد المذموم ،
فدعاني إلى الدخول في الدار لمشاركتهم في الذكر والدرس
والمناقشة ، فرميتهم – غفر الله لي – بأمور ليست فيهم قبل أن
أجلس معهم وأستمع إليهم ، حتّى ألحّ عليّ هذا الأخ بالحضور ،
وحين جلست معهم ، واستمعت إلى صفاء نور كلامهم ، قذف الله في
قلبي الإيمان الصحيح ، وعرفت أنّ ما كنت عليه من قبل ما هو إلا
جهل الأوّلين وضلالاتهم ، فأعلنت إسلامي من جديد ، وصحّحت
عقيدتي ، وفتحت عيني على حقيقة هذا الدين ، فخرجت بذلك من
مستنقع التقليد الآسن إلى واقع الإسلام الطاهر ، وقد دلّني
هؤلاء الإخوة على مكاتب ترسل الكتب النافعة ، فراسلتها ،
وصحّحت عقيدتي من الشرك ، ولم يكتفوا بهذا بل كانوا يعطونني
كتباً لتقوية إيماني ، وتثبيتي على الحقّ ، فجزاهم الله خيراً
.
إمّا إخواني الذين كنت أرميهم بالأوهام الشيطانيّة ، فقد عدت
إليهم ، واعتذرت منهم طالباً العفو ، ففرحوا بذلك .. وكلّ هذا
قد حدث بفضل الله ورحمته وأنا ابن ستّة عشر عاماً ، وأصبح بعض
المشكّكين في العقيدة يقولون لي : لقد كنت على هدى وأصبحت الآن
على ضلالة .. فلم أبال بكلامهم هذا ، بل استعنت بالله تعالى ،
وصححّت خطئي ، وجهلي وأصبحت ، ولله الحمد – أنا وهؤلاء الإخوة
الموحّدون ممّن يُشار إليهم بالبنان ، وعرفت الأحاديث النبوية
الشريفة وحفظت ما تيسّر منها ، كما عرفت الحلال من الحرام ،
والخطأ من الصواب ، وأنا الآن أطلب من الله المغفرة ، فهل يغفر
الله لي ؟؟ .. أرجو ذلك .
|