توبة شاب تيجاني
يقول هذا الشاب :
لقد ابتلاني الله عز وجل بالدخول في زمرة المتصوفة ، وفي أكبر
الطرق الصوفية ، وأصعبها : ( الطريقة التيجانية ) ، وقد مكثت
فيها مدة طويلة ، وكنت من المحبوبين والمقربين لدى شيخ الطريقة
( المقدم ) – أي خليفته – لأن كل ولاية لا بد فيها من مقدم
يلقن الأوراد ، ويفتتح الجلسة .
وعقيدة هذه الطريقة ، وما تحمله في ثناياها من الشرك والبدع لا
تخفى على ذي بصيرة ، ومع ذلك فهي تعد من أكثر الطرق أتباعاً ،
والكثرة ليست دليلاً على الحق ، بل هي في الغالب دليل على الضد
من ذلك ، كما قال الحق تبارك وتعالى : ((وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ
مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن
يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
)) ( الأنعام : 116) . كما أن من أسباب كثرة أتباعها ، قلّة
الخارجين منها ، وذلك أن كل مقدم يمنع مريده من مخالطة الناس ،
ويقول لهم بخبث : إن فيهم سماً ، فلا تتكلموا معهم ، ولا
تخبروهم بما تعملون ، فيؤدي ذلك إلى عدم معرفتهم للحق وتبصرهم
فيه ، وإصلاح عقائدهم المنحرفة ، كما أن من يدخلها لأول مرة ،
يجد في قلبه انشراحاً موهوماً ، لأنه – حسب تفكيره – لا يرى
شيئاً يخالف الشرع المطهّر ، فهم يذكرون الله صباح مساء ،
ويشربون الشاي ، ويمازح بعضهم بعضاً ، ويحب بعضهم بعضاً !!
فيتعلق بهذا الأمر لجهله ، ويظنه حسناً ، ويظن أنه قد وجد
الطريق إلى الجنة ، نسأل الله العافية .
أما سبب خروجي من هذه الطريقة – ولله الحمد والمنّة – فقد كنت
دائماً أدعو في سجودي : (( اللهم أرني الحق حقاً ، وارزقني
اتباعه )) ، لأنني – في بعض الأحيان – كان ينتابني الشك في صحة
منهج هذه الجماعة لما يسبغونه على أنفسهم من الفضل دون غيرهم ،
وكأن الجنّة لم تخلق إلا للتيجانيين فقط .
وذات يوم كنت جالساً في البيت وحدي أراجع نفسي ، وأتأمل حالي
مع هذه الجماعة ، فإذا بي أجد نفسي تراوح في مكانها صباح مساء
.. ذكر ، ومزاح ، والوقت يمضي ويضيع ، وأنا في غفلة عن مستقبلي
، وكنت أحب القرآن الكريم ، فعزمت على السفر لحفظ القرآن ، ومن
توفيق الله عز وجل أني سافرت مع أخ كريم ، سلفي العقيدة ، تقي
نقي – ولا أزكي على الله أحداً – فاستقر بنا المقام في إحدى
زوايا مدينة تلمسان لتحفيظ القرآن .. وظهرت علائم الفرج تلوح
في الأفق ، فهذا الأخ الكريم لم يكن من المنفّرين بل كان
رفيقاً رقيقاً ، لم يهجرني مع علمه بأني من أتباع الطريقة
التيجانية الضالة ، ولم يبدأ بالإنكار علي من أول وهلة ، بل
عاملني بأحسن الأخلاق ، وكان المرة تلو المرة يذكرني بحديث ،
دون أن يبين لي أنه يقصد الطريقة ، وفي بعض الأحيان كان يذكر
لي بعض محاسنها ، لأنه ليس من السهل أن يتراجع طرقي أو قبوري
عن طريقته ، ولو أردت نصحه لم يزدد إلا تمسكاً بعقيدته ، فلا
بد من لزوم الحكمة واللين .. فكنت مرة بعد مرة أقف على بعض
الآيات المخالفة لما كنت أعتقده ، فمثلاً قوله تعالى في آية
الأعراف : (( قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ
ضَرّاً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ )) ( الأعراف : 188)) .
ونحن في الطريقة نعتقد أن المريد يدخل الجنة هو وأولاده ،
وأولاد أولاده ، وزوجته إلا الحفدة ، ونعتقد بأنه من لم يطع
الشيخ فإنه يضره ويهلكه ، والعكس فيمن أطاعه .. ! فبدأت الحيرة
والتفكير والحسرة تنتابني ، وهنا تدخل ذلك الرفيق السلفي
الصالح فبدأ ينير لي الطريق ، ويقدم لي الرسائل والنصائح ، ولم
يأل في ذلك جهداً ، كما كان يدعو لي في سجوده جزاه الله خيراً
، فكان الفضل لله سبحانه وتعالى ، ثم له ، ومما ساعدني على ذلك
أيضاً بعدي عن شيخ الطريقة ومريده .
وبعد خروجي من هذه الطريقة ، كنت أقلق عند ما أرجع إلى المنزل
، لأن الشيخ كان يطلبني باستمرار ، وكان يعرف أبي ، فكنت أتحرج
من مواجهته ، لأنه شيخ كبير . أما بعض المريدين فقد علموا بأني
قد خرجت من زمرتهم ، فبدؤوا يظهرون لي العداوة والبغضاء كما هي
سنة الله عز وجل في كل من سلك طريق التوحيد ، ونبذ الشكر وأهله
، والآن قد أكملت حفظ كتاب الله عز وجل ، وعزمت التفرغ لطلب
العلم الشرعي الصحيح أنا وأخي ذلك الرفيق الطيّب ، وإني أنصح
كل شاب مسلم بالحذر من هذه الطرق الصوفية المبتدعة فما ثمة إلا
طريق واحد فقط طريق محمد صلى الله عليه وسلم .
|